والآخرين من الإنس والجن وجميع أهل السماء، وأهل الأرض.
(ذلك) يعني أن يوم القيامة هو (يوم التغابن) وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر، وأهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فتركوا منازلهم التي كانوا يستنزلونها، لو لم يفعلوا ما يوجب النار، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشر، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، وأهل الجنة على العكس من ذلك يقال: غبنت فلاناً إذا بايعته أو شاركته، فكان النقص عليه، والغلبة والغبن فوت الحظ، كذا قال المفسرون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة، فإطلاق التغابن على ما يكون فيها إنما هو بطريق الاستعارة، وإن التفاعل ليس من اثنين، وكذا المغابنة على سبيل التجريد، قال ابن عباس يوم التغابن من أسماء يوم القيامة، وعنه قال: غبن أهل الجنة أهل النار.
(ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته) أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته (ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) قرأ الجمهور يكفر ويدخله بالتحتية وقرىء بالنون وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم (خالدين فيها أبداً) حال مقدرة فيه مراعاة معنى من (ذلك) أي ما ذكر من التكفير والإدخال (الفوز العظيم) أي الظفر الذي لا يساويه ظفر، والعظيم أعلى حالاً من الكبير الذي ذكر في سورة البروج، لأن ما فيها قد رتب على إدخال الجنات فقط، وما هنا قد رتب على الأمرين المذكورين، فهو جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المراد بالآيات إما التنزيلية أو ما هو أعم منها، ذكر سبحانه حال السعداء وحال الأشقياء هنا لبيان ما تقدم من التغابن، وأنه يكون سبب التكفير وإدخال الجنة للطائفة الأولى، وسبب إدخال الطائفة الثانية النار وخلودهم فيها.


الصفحة التالية
Icon