هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، لأن معناه أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، فخفف الله عنهم وأنزل هذه الآية، وقال ابن عباس: هي محكمة ولا نسخ فيها، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا فيه حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم، وقد أوضحنا الكلام على هذا في قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ).
(واسمعوا) ما تؤمرون به سماع قبول لأنه لا فائدة في مجرد السماع (وأطيعوا) الأوامر قال مقاتل: اسمعوا أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم وأطيعوا الرسول فيما يأمركم وينهاكم (وأنفقوا) من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير والطاعة ولا تبخلوا بها. وقوله: (خيراً لأنفسكم) منتصب بفعل مضمر دل عليه اتقوا، كأنه قال: ائتوا في الإنفاق خيراً لأنفسكم، أو قدموا خيراً لها، كذا قال سيبويه وقال الكسائي والفراء؛ هو نعت لمصدر محذوف، أي إنفاقاً خيراً وقال أبو عبيدة: هو خبر لكان المقدرة أي يكن الإنفاق خيراً لكم، وقال أهل الكوفة: نصبه على الحال، وقيل: هو مفعول به لأنفقوا أي فأنفقوا مالاً خيراً، والظاهر في الآية الإنفاق مطلقاً من غير تقييد بالزكاة الواجبة، وقيل: المراد زكاة الفريضة، وقيل: النافلة وقيل النفقة في الجهاد.
(ومن يوق شح نفسه) فيفعل في ماله جميع ما أمر به من الإنفاق موقناً به مطمئناً إليه، ولم يمنعه ذلك منه (فأولئك هم المفلحون) أي الظافرون بكل خير، الفائزون بكل مطلوب، وقد تقدم تفسير هذه الآية مراراً.
(إن تقرضوا الله قرضاً حسناً) فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية، وطيب نفس وسماه قرضاً من حيث التزام الله المجازاة عليه، وفي ذكر القرض أيضاًً تلطف في الاستدعاء، وترغيب في الصدقة حيث جعلها


الصفحة التالية
Icon