(لا يعصون الله ما أمرهم) أي لا يخالفونه في أمره وما موصولة، والعائد محذوف، أي لا يعصون الله الذي أمرهم به، أو مصدرية أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض، أي لا يعصون الله في أمره (ويفعلون ما يؤمرون) به أي يؤدونه في وقته من غير تراخ، لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه، وليست الجملتان في معنى واحد إذ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها، ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه، وقيل: الثانية تأكيد للأولى، وبه قال المحلي لأن مفادها هو مفادها، وقيل: الأولى فيما مضى، والثانية فيما يستقبل، وصرح بهذا البيضاوي، والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد، وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم.
(يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم) يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأييساً لهم وقطعاً لأطماعهم، لأنه يوم الجزاء، وقد فات زمان الاعتذار، وصار الأمر إلى ما صار (إنما تجزون ما كنتم تعملون) من الأعمال في الدنيا، ومثل هذا قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)
(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) قرأ الجمهور بفتح النون على الوصف للتوبة أي توبة بالغة في النصح، وقرىء بضمها أي توبة نصح لأنفسكم، ويجوز أن يكون جمع ناصح
وأن يكون مصدراً، تنصح صاحبها بترك العود إلى ما ناب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب، وترك المعاودة له.
قال قتادة: التوبة النَّصوح الصادقة، وقيل: الخالصة، وقال الحسن: التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره، وقال الكلبي: التوبة النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإقلاع بالبدن، والاطمئنان على أن لا يعود وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة، وعن