(قالوا بلى) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا بعد هذا السؤال فقال: قالوا بلى (قد جاءنا) أي جاء كلاً منا (نذير) فأنذرنا وخوفنا وأخبرنا بهذا اليوم، أو هذا من كلام الفوج وكل فوج له نذير، فلا يحتاج إلى التأويل، وهذا اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه، وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المفادة به تأكيداً إذ لو اقتصروا على " بلى " لفهم المعنى ولكنهم صرحوا بالمفاد ببلى تحسراً وزيادة ندم في تفريطهم وليعطفوا عليه قولهم.
(فكذبنا) ذلك النذير في كونه نذيراً من جهته تعالى (وقلنا) في حق ما تلاه علينا من الآيات إفراطاً في التكذيب (ما نزل الله) على أحد (مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء فضلاً عن تنزيل الآيات على ألسنتكم من الوعد والوعيد وغيرهما.
(إن أنتم إلا في ضلال كبير) أي في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب، وخطأ عظيم لا يقادر قدره. وهذا يحتمل أن يكون من كلام الكفار للنذر، وأن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، ومرادهم بالضلال الهلاك أو سموا جزاء الضلال باسمه كما يسمى جزاء السيئة والاعتداء سيئة، وهذا يسمى المشاكلة في علم البيان، وأن يكون من كلام الرسل للكفرة وقد حكوه للخزنة، والاحتمال الأول هو الذي استظهره جمهور المفسرين.
ثم حكى الله عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة فقال
(وقالوا لو كنا نسمع) ما خاطبنا به الرسل (أو نعقل) شيئاًً من ذلك (ما كنا في أصحاب السعير) أي في عداد أهل النار، ومن جملة من يعذب بالسعير وهم الشياطين كما سلف، قال الزجاج: لو كنا نسمع سماع من يعي، أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار، وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملتزمتان.


الصفحة التالية
Icon