الرحمن بالغيب) وظاهر الآية العموم.
ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال:
(وأسروا قولكم أو اجهروا به) مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الأسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه. والمعنى إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله ﷺ فكل ذلك يعلمه الله لا تخفى عليه منه خافية، وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر، والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات كان علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به مع كونها في الحقيقة على السوية.
فإن علمه تعالى بمعلومات ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب يتعلق به الإسرار غالباً فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية.
وقوله (إنه عليم بذات الصدور) تعليل للاستواء المذكور وتقرير له، وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبيتها من الجزالة ما لا غاية وراءه، كأنه قيل: إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكمنة في صدورهم بحث لا تكاد تفارقها أصلاً، فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به، ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور، والمعنى إنه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها.
(ألا يعلم) الاستفهام للإنكار والمقصود نفي عدم إحاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر والمعنى ألا يعلم السر ومضمرات القلوب (من خلق) ذلك وأوجده، فالموصول عبارة عن الخالق، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق، وفي (يعلم) ضمير يعود إلى الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه فإن الأسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد، وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن