ثم كرر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر فقال
(أم أمنتم) إضراب عن التهديد بما ذكر، وانتقال إلى التهديد بوجه آخر أي بل أأمنتم (من في السماء) وهو الله سبحانه وتعالى وفيه دليل على علوه ومباينته عن خلقه باستوائه على عرشه.
(أن يرسل عليكم حاصباً) أي حجارة من السماء كما أرسلها على قرية قوم لوط وأصحاب الفيل، وقيل: سحاب فيها حجارة وقيل: ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها، والكلام فيه كالكلام في أن يخسف بكم الأرض فهو إما بدل اشتمال أو بتقدير من.
(فستعلمون) عند معاينة العذاب (١) (كيف نذير) أي إنذاري بالعذاب أي أنه حق، قاله المحلي، وقيل: النذير هنا محمد ﷺ قاله عطاء والضحاك والمعنى: ستعلمون رسولي وصدقه، والأول أولى.
_________
(١) قال الحفناوي ظاهر السياق أن المراد العذاب الموعود به وهو خسف الأرض وكذا في قوله الآتي (فكيف كان نكير) فيقتضي أن كفار مكة قد خسف بهم ورموا بالأحجار مع أنهم لم يقع لهم ذلك، فإن قيل: المراد بقوله فستعلمون الخ التخويف بعذاب الآخرة قلنا يصير في الكلام نوع تفكيك خصوصاً وقد قال أبو السعود أي بإنذاري عند مشاهدتكم للمنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ انتهى وهذا يقتضي أن الكلام في العذاب المخوف به وقد علمت ما فيه ولم نر من الشراح من نبه على هذا والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
(ولقد كذب الذين من قبلهم) أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وقوم ولوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الرس وقوم فرعون والالتفات إلى الغيبة لإبراز الإعراض عنهم.
(فكيف كان نكير) أي إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب الفظيع، وهذا هو مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط، وفيه من المبالغة في تسلية رسول الله عليه وسلم وتشديد التهديد لقومه ما لا يخفى.