انحراف فيه، قال ابن عباس: مكباً في الضلالة وسوياً مهتدياً قيل يعني بالمكب أبا جهل وبالسوي النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: أراد بمن يمشي مكباً من يحشر على وجهه إلى النار. ومن يمشي سوياً من يحشر على قدميه إلى الجنة، وهو كقول قتادة الذي ذكرناه ومثله قوله:
(ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) وخبر " من " محذوف لدلالة خبر " من " الأولى وهو أهدى عليه، وقيل: لا حاجة إلى ذلك لأن " من " الثانية معطوف على " من " الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك: أزيد قائم أم عمرو، ووحد الخبر لأن أم لأحد الشيئين.
(قل) لهم يا أشرف الخلق مذكراً لهم بما دفع عنه المولى من المفاسد. وجمع لهم من المصالح ليرجعوا إليه ولا يعولوا في حال من الأحوال إلا عليه (هو الذي أنشأكم) إنشاء بديعاً (وجعل لكم السمع) لتسمعوا به آيات الله وتتمسكوا بما فيها من الأوامر والنواهي وتتعظوا بموعظها.
(والأبصار) لتبصروا بها الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله عز وجل، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على الكثير والقليل، وقد قدمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة البيان.
(والأفئدة) لتفكروا بها في مخلوقات الله وآياته التنزيلية والتكوينية وترتقوا في معارج الإيمان والطاعة، وخصها بالذكر لأنها آلات العلم، وذكر الله سبحانه ههنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحاً للحجة وقطعاً للمعذرة وذماً لهم على عدم شكر نعم الله ولهذا قال:
(قليلاً ما تشكرون) أي باستعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة وقليلاً نعت لمحذوف " وما " مزيدة لتأكيد التقليل أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً فالقلة على ظاهرها وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم إن كان الخطاب للكفرة، قال مقاتل: يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه.


الصفحة التالية
Icon