(قل هو الرحمن) أي الذي أدعوكم إلى عبادته مولى النعم كلها (آمنا به) وحده لا نشرك به شيئاًً لما علمنا أن كل ما سواه إما نعمة أو منعم عليه (وعليه) لا على غيره (توكلنا) أي فوضنا الأمور إليه عز وجل لعلمنا بأن ما عداه كائناً ما كان بمعزل من النفع والضر.
(فستعلمون) إذا نزل بكم العذاب (من هو في ضلال مبين) منا ومنكم، وفي هذا تهديد شديد مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف. قرأ الجمهور فستعلمون بالفوقية على الخطاب وقرىء بالتحتية على الخبر.
ثم احتج سبحانه عليهم ببعض نعمه وخوّفهم سلب تلك النعمة عنهم فقال
(قل أرأيتم) أي أخبروني (إن أصبح ماؤكم) الذي تعدونه في أيديكم كما نبهت عليه الإضافة (غوراً) أي غائراً في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أو صار ذاهباً في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء، يقال غار الماء غوراً أي نضب والغور الغائر وصف بالمصدر للمبالغة، كما يقال رجل عدل، وقد تقدم مثل هذا في سورة الكهف، وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون؛ قال ابن عباس غوراً داخلاً في الأرض وعنه يرجع في الأرض.
(فمن يأتيكم بماء معين) أي ظاهر تراه العيون وتناله الدلاء، وقيل هو من معن الماء إذا كثر، وقال قتادة والضحاك أي جار وقد تقدم معنى المعين في سورة المؤمنون، وقرأ ابن عباس بماء عذب. وعنه قال بماء معين أي الجاري، وعنه قال معين ظاهر وعنه قال عذب.
والمقصود من الآية أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه عليهم ويريهم قبح ما هم عليه من الكفر والعناد والكبر، قال المحلي ويستحب أن يقول القارىء عقب معين: " الله رب العالمين " كما ورد في الحديث، وتليت هذه الآية عند بعض المتجبرين فقال تأتي به الفؤوس والمعاول، فذهب ماء عينه وعمي، نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته.