(قال أوسطهم) أي أمثلهم وأعقلهم وخيرهم رأياً وعقلاً ونفساً، وقال ابن عباس: أعدلهم وقيل أفضلهم فأنكر عليهم بقوله (ألم أقل لكم) إن ما فعلتموه لا ينبغي وإن الله لبالمرصاد لمن حاد وغير ما في نفسه.
(لولا تسبحون) أي هلا تستثنون، وسمى الاستثناء تسبيحاً لأنه تعظيم لله وإقرار به، وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه، وقال مجاهد وأبو صالح وغيرهما: كان استثناؤهم تسبيحاً، قال النحاس: أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله لأنه ينزه عن أن يجري في ملكه ما لا يريده، وقيل المعنى هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها، وكان أوسطهم قد قال لهم ذلك. وقيل المعنى هلا تتركون شيئاًً للمساكين من ثمر جنتكم والأول أولى.
فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الحالة
(قالوا سبحان ربنا) أي تنزيهاً له عن أن يكون ظالماً فيما صنع بجنتنا، ثم أكدوا قباحة فعلهم هضماً لأنفسهم وتحقيقاً لتوبتهم بقوله (إنا كنا ظالمين) أي إن ذلك بسبب ذنبنا الذي فعلناه، قيل معنى تسبيحهم الاستغفار أي نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين.
(فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) أي يلوم بعضهم بعضاً في منعهم للمساكين وعزمهم على ذلك، يقول هذا لهذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذاك لهذا أنت خوفتنا الفقر، ويقول الثالث لغيره أنت رغبتني في جمع المال، ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث:
(قالوا يا ويلنا) هذا وقت حضورك إلينا ومنادمتك لنا فإنه لا نديم لنا الآن غيرك (إنا كنا طاغين) أي عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء، قال ابن كيسان أي طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل.