وأعظم من عذاب الدنيا (لو كانوا) أي المشركون (يعلمون) أنه كذلك ولكنهم لا يعلمون.
ولما فرغ سبحانه من ذكر حال الكفار وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة ذكر حال المتقين وما أعده لهم من الخير فقال:
(إن للمتقين) ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي (عند ربهم) عز وجل في الدار الآخرة (جنات النعيم) الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا ينغصه خوف زوال كما يشوب جنات الدنيا.
(أفنجعل المسلمين كالمجرمين) الاستفهام للتقريع والتوبيخ للكفار على هذا القول الذي قالوه وقد وبخوا وقرعوا باستفهامات سبعة أولها هذا، والسابع (أم لهم شركاء) والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين، وكأن العبارة مقلوبة والأصل أفنجعل المجرمين كالمسلمين لأنهم جعلوا أنفسهم كالمسلمين بل أفضل لأنه كان صناديد كفار قريش يرون وفور حظهم في الدنيا وقلة حظوظ المسلمين فيها فلما سمعوا بذكر الآخرة وما يعطي الله المسلمين فيها قالوا إن صح ما يزعمه محمد لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا، فقال الله مكذباً لهم راداً عليهم (أفنجعل) الآية والمعنى أفنجعل المجرمين مساوين للمسلمين في العطاء، لا، كما ذكر في آية أخرى (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) قاله علي القاري، وبعد ذلك ليس في الآية إلا نفي المساواة، والكفار ادعوا الأفضلية أو المساواة إلا أن يقال إذا انتفت المساواة انتفت الأفضلية بالأولى.
ثم قال سبحانه على طريقة الالتفات
(ما لكم كيف تحكمون) هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم تحكمون فيه بما شئتم
(أم لكم كتاب فيه تدرسون) أي تقرأون فيه فتجدون المطيع كالعاصي، ومثل هذا قوله تعالى: (أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم) ثم قال سبحانه (إن) قرأ الجمهور بالكسر على أنها معمولة لتدرسون أي تدرسون في الكتاب.