ثم زاد سبحانه في تفظيع شأنها وتفخيم أمرها وتهويل حالها فقال:
(وما أدراك ما الحاقة) أي أيّ شيء أعلمك ما هي؟ أي كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها وتشاهد ما فيها من الأهوال فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين، لا تبلغها دراية أحد منهم ولا وهمه.
والنبي ﷺ كان عالماً بالقيامة ولكن لا علم له بكنهها وصفتها فقيل له ذلك كأنه ليس عالماً بها رأساً، قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن (وما أدراك) فقد أدراه إياه وعلمه ﷺ وكل شيء قال فيه (وما يدريك) فإنه ما أخبره به.
وقال سفيان بن عيينة: كل ما في القرآن قال فيه: (وما أدراك) فإنه ﷺ أخبر به وكل شيء قال فيه (وما يدريك) فإنه لم يخبر به ذكره الخطيب، وما مبتدأ وخبره أدراك و (ما الحاقة) جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض أدرى يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء كما في قوله:
(ولا أدراكم به) فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين والجملة معطوفة على جملة ما الحاقة.
(كذبت ثمود وعاد بالقارعة) أي بالقيامة وسميت بذلك لأنها تقرع قلوب الناس بشدة أهوالها وتؤثر فيها خوفاً وفزعاً كتأثير القرع المحسوس، فإن القرع في اللغة نوع من الضرب وهو إمساس جسم لجسم بعنف، وفي المصباح وقرعت الباب من باب نفع طرقته ونقرت عليه وقال المبرد: عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم، وكانوا يخوفونهم بذلك فيكذبونهم، وقيل القارعة مأخوذة من القرعة لأنها ترفع أقواماً وتحط آخرين والأول أولى، ويكون وضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هولها وفظاعة حالها، والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة.


الصفحة التالية
Icon