السورة، وكان بين نزول أولها المنسوخ وآخرها الناسخ سنة، وقيل ستة عشر شهراً، وهذا على القول بأن السورة كلها مكية.
وأما على القول بأن قوله (إن ربك يعلم) مدني فبين الناسخ والمنسوخ عشر سنين لما علمت أن نزول المنسوخ كان في أول الوحي بمكة، ونزول الناسخ كان بالمدينة، وأقل ما يتحقق بينهما عشر سنين، وقد قال به سعيد بن جبير، وقيل نسخ التقدير بمكة وبقي التهجد حتى نسخ بالمدينة، وقيل نسخ أولها بآخرها ثم نسخ آخرها بإيجاب الصلوات الخمس، وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة.
(ورتل القرآن ترتيلاً) أي اقرأه على مهل مع تدبر، وقيل بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج الأسنان، وكلام رتل بالتحريك أي مرتل، وثغر رتل أيضاًً إذا كان مستوي البنيان، أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف وإشباع الحركات، بحيث يتمكن السامع من عدها، وقال الضحاك: اقرأه حرفاً حرفاً، وقال الزجاج: هو أن يبين جميع الحروف ويوفي حقها من الإشباع، وأصل الترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، وقال ابن عباس: بينه تبيينا، وتأكيد الفعل بالمصدر يدل على المبالغة، وإيجاب الأمر على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم، مع استيفاء حركته المعتبرة وأنه لا بد منه للقارىء.
عن قتادة قال سئل أنس " كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كانت مداً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم " أخرجه البخاري (١)، وعن أم سلمة وقد سألها يعلى بن
_________
(١) قال ابن كثير: وقوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلاً) أي: اقرأه على تمهُّل فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبُّره، قال، وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة رضي الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتِّلها حتى تكون أطول من أطوال منها. وفي " صحيح البخاري " عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله ﷺ فقال: كانت مَدَّاًً، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد (بسم الله) ويمد (الرحمن) ويمد (الرحيم). ثم قال: وروى الإمام
-[٣٨٢]-
أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: " يقال لقارىء القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.