ولما أوجز في جزاء الكافرين ذكر ما أعده للشاكرين وأطنب تأكيداً للترغيب فقال:
(إن الأبرار يشربون من كأس) الأبراز أهل الطاعة والإخلاص والصدق جمع بر أو بار، قال في الصحاح: جمع البر الأبرار، وجمع البار البررة، وفلان يبر خالقه ويبرره أي يطيعه، وقال الحسن: البر الذي لا يؤذي الذر، وقال قتادة: الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، وقيل هم الصادقون في إيمانهم المطيعون لربهم الذين سمت همتهم عن المحقرات فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة، وقيل سماهم الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء، والكأس في اللغة هو الإناء الذي فيه الشراب، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسم كأساً، بل هو إناء، ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة بل يكون من الزجاج ومن الذهب والفضة والصيني وغير ذلك، وقد كانت كؤوس العرب من أجناس مختلفة، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر كما في قول الشاعر:
وكأس شربت على لذة... وأخرى تداويت منها بها
(كان مزاجها كافوراً) أي ما يخالطها وتمزج به، يقال مزجه يمزجه مزجاً أي خلطه يخلطه خلطاً ومنه مزاج البدن وهو ما يمازجه من الإخلاط، والكافور قيل هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافور أي تمزج خمر الجنة بماء هذه العين، وقال قتادة ومجاهد: تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك، وقال عكرمة: مزاجها طعمها، وقيل إنما الكافور في ريحها لا في طعمها، وقيل إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده، لأن الكافور لا يشرب كما في قوله (حتى إذا جعله ناراً) أي كنار، وقال ابن كيسان: طيبها المسك والكافور والزنجبيل، وقال مقاتل: ليس هو كافور الدنيا وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب.
والجملة في محل جر صفة لكأس، وقيل إن " كان " ههنا زائدة أي من كأس مزاجها كافور، وقرأ عبد الله قافوراً بالقاف بدل الكاف، قال السمين وهذا من التعاقب بين الحرفين.