ووصفه بالطهورية فإنه يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية، والركون إلى ما سوى الحق فيتجرد لمطالعة جماله، متلذذاً بلقائه باقياً ببقائه، وهو منتهى درجات الصديقين.
قال الفراء يقول هو طهور ليس بنجس كما كان في الدنيا موصوفاً بالنجاسة أي لم تمسه الأيدي ولم تدنسه الأرجل، وقيل لا يستحيل بولاً، وطهور صيغة مبالغة في الطهارة والنظافة.
والمعنى أن ذلك الشراب طاهر ليس كخمر الدنيا، فشتان ما بين الشرابين والآنيتين والمنزلتين، قال مقاتل هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غش وغل وحسد.
قال أبو قلابة وإبراهيم والنخعي يؤتون بالطعام فإذا كان آخره أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتضمر بطونهم من ذلك ويفيض عرق من أبدانهم مثل ريح المسك ثم يقال لهم بعد دخولهم في الجنة ومشاهدتهم نعيمها.
(إن هذا) الذي ذكر من أنواع النعم (كان) في علم الله (لكم جزاء) بأعمالكم أي ثواباً لها أعده لكم إلى هذا الوقت (وكان سعيكم مشكوراً) أي كان عملكم في الدنيا بطاعة الله مرضياً مقبولاً مقابلاً بالثواب، وشكر الله سبحانه لعمل عبده هو قبوله لطاعته.
(إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً) أي فرقناه في الإنزال ولم ننزله جملة واحدة لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، قيل المعنى نزلناه عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون، والمقصود من ذلك تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرح صدره وإن الذي أنزل عليه وحي ليس بكهانة ولا سحر لتزول الوحشة الحاصلة له من قول الكفار إنه كهانة أو سحر.


الصفحة التالية
Icon