(نحن خلقناهم) أي ابتدأنا خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة إلى أن كمل خلقهم، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي، لا اشتراكاً ولا استقلالاً (وشددنا أسرهم) الأسر شدة الخلق يقال شد الله أسر فلان أي قوى خلقه، قال مجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم: شددنا خلقهم، قال الحسن شددنا وربطنا أوصالهم بعضاً إلى بعض بالعروق والعصب.
قال أبو عبيدة: يقال فرس شديد الأسر أي الخلق وقال ابن زيد الأسر القوة واشتقاقه من الأسار وهو القد الذي تشد به الأقتاب، قال ابن عباس: أسرهم خلقهم وقال: أبو هريرة هي المفاضل، وقيل المراد بالأسر عَجْبُ الذنب لأنه لا يتفتت في القبر والأسر بالضم احتباس البول كالحصر في الغائط.
(وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً) أي لو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم، وقيل المعنى مسخناهم إلى أسمج صورة وأقبح خلقه.
(إن هذه تذكرة) يعني أن هذه السورة تذكير وموعظة للخلق لأن في تصفحها تنبيهات للغافلين، وفي تدبرها وتذكرها فوائد جمة للطالبين السالكين ممن ألقى سمعه وأحضر قلبه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً) أي طريقاً يتوصل به إليه، وذلك بالإيمان والطاعة والمراد إلى ثوابه أو إلى جنته، لأنا بينا الأمور غاية البيان وكشفنا اللبس، وأزلنا جميع موانع الفهم، فلم يبق مانع من استطراق الطريق غير مشيئة العبد.
(وما تشاؤون) أن تتخذوا إلى الله سبيلاً، وفيه التفات عن الغيبة في خلقناهم إلى الخطاب، وقرىء بالياء التحتية لمناسبة قوله خلقناهم.
وقوله: (إلا أن يشاء الله) منصوب على الظرفية وأصله إلا وقت مشيئة الله فالأمر إليه سبحانه ليس إليكم والخير والشر بيده لا مانع لما أعطى، ولا


الصفحة التالية
Icon