وقيل غره عفو الله إذ لم يعاجله بالعقوبة أول مرة كذا قال مقاتل، وذكر الكريم للمبالغة في المنع من الاغترار، فإن محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي، فكيف إذا انضم إليه صفة القهر والانتقام والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحداً ولا يعاجل بالعقوبة، والدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الإنهماك في عصيانه إغتراراً بكرمه، وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية وقال: غره والله جهله.
(الذي خلقك) من نطفة ولم تك شيئاًً (فسواك) رجلاً تسمع وتبصر وتعقل (فعدلك) أي فجعلك معتدلاً قال عطاء جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة وقال مقاتل عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين، والمعنى عدل بين ما خلق لك من الأعضاء.
قرأ الجمهور فعدلك مشدداً وقرىء بالتخفيف واختار الأولى أبو عبيد وأبو حاتم قال الفراء وأبو عبيد: يدل عليها قوله (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ومعنى القراءة الأولى أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها، ومعنى الثانية أنه صرفه وأماله إلى أي صورة شاء إما حسناً وإما قبيحاً وإما طويلاً وإما قصيراً.
(في أي صورة ما شاء ركبك) في أي صورة متعلق بركبك وما مزيدة وشاء صفة لصورة أي ركبك في أي صورة شاءها، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال أي ركبك حاصلاً في أي صورة.
ونقل أبو حيان عن بعض المفسرين أنه متعلق بعدلك، واعترض عليه بأن أي لها صدر الكلام فلا يعمل فيها ما قبلها، قال مقاتل والكلبي ومجاهد: في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم، وقال مكحول إن شاء ذكراً وإن شاء أنثى.