وهذا الخطاب وإن كان مشافهة إلا أن الأمة أجمعت على عموم هذا الخطاب في حق المكلفين.
وقوله تعالى حافظين جمع يحتمل أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكل بكل أحد منهم غير الموكل بالآخر، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة كما قيل إثنان بالليل وإثنان بالنهار أو كما قيل أنهم خمسة، واختلفوا في الكفار هل عليهم حفظة فقيل لا، لأن أمرهم ظاهر وعملهم واحد، قال تعالى (يعرف المجرمون بسيماهم) وقيل عليهم حفظة وهو ظاهر قوله تعالى في هذه الآية وفي قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) فأخبر أن لهم كتاباً، وأن عليهم حفظه.
ثم وصفهم سبحانه فقال
(كراماً كاتبين) أي أنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد (يعلمون) على التجدد والاستقرار (ما تفعلون) في الآية دلالة على أن الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم لوصف الملائكة بكونهم (حافظين كراماً كاتبين
يعلمون ما تفعلون) فدل على أنهم يكونون عالمين بها حتى أنهم يكتبونها فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة.
قال الرازي المعنى التعجيب من حالهم كأنه قال إنكم تكذبون بيوم الدين وملائكة الله موكلون يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ونظيره قوله تعالى (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور فيه إنذار وتهويل للمجرمين، ولطف للمتقين، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال ما أشدها من آية على الغافلين.
ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال
(إن الأبرار لفي نعيم) أي جنة


الصفحة التالية
Icon