فيدخل في ذلك المحرقون في الأخدود بسبب إيمانهم دخولاً أولياً، والمعنى أن الجامعين بين الإيمان وعمل الصالحات (لهم) بسبب الإيمان والعمل الصالح (جنات تجري من تحتها) أي تحت أسرتها وغرفها وجميع أماكنها (الأنهار) يتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا.
وقد تقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات في غير موضع، وأوضحنا أنه إن أريد بالجنات الأشجار فجري الأنهار من تحتها واضح وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر وهو الشجر لأنها ساترة لساحتها وأرضها.
(ذلك) أي ما تقدم ذكره مما أعده الله لهم (الفوز الكبير) الذي لا يعدله فوز ولا يقاربه ولا يدانيه، والفوز الظفر بالمطلوب، وما في " ذلك " من معنى البعد للإيذان بعلو درجته في الفضل والشرف.
(إن بطش ربك) بالكفار (لشديد) بحسب إرادته قاله الجلال المحلي، وفيه إشارة إلى الرد على الفلاسفة القائلين بأنه موجب بالذات، وقد نطق القرآن بأنه فعال لما يريد، والجملة مستأنفة لخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبينة لما عند الله سبحانه من الجزاء لمن عصاه، والمغفرة لمن أطاعه، والمعنى أن أخذه تعالى للجبابرة والظلمة شديد، والبطش الأخذ بعنف، ووصفه بالشدة يدل على، أنه قد تضاعف وتفاقم. ومثل هذا قوله: (إن أخذه أليم شديد).
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) أي يخلق الخلق أولاً في الدنيا ويعيدهم أحياء بعد الموت كذا قال الجمهور، وقيل يبدىء للكفار عذاب الحريق في الدنيا ثم يعيده لهم في الآخرة، واختار هذا ابن جرير والأول أولى، وقال ابن عباس: يبدىء العذاب ويعيده انتهى، ومن كان قادراً على الإيجاد والإعادة إذا بطش كان بطشه في غاية الشدة، وبهذا ظهر التعليل بهذه الجملة لما سبق من شدة البطش.