بعلمه واطلاعه على أحوالهم وقيل هو العقل يرشدهم إلى المصالح ويكفهم عن المفاسد، والأول أولى لقوله (وإن عليكم لحافظين) وقوله (ويرسل عليكم حفظة) وقوله (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه) والحافظ في الحقيقة هو الله عز وجل كما في قوله (فالله خير حافظاً) وقوله (وكان الله على كل شيء رقيباً) فإن الممكنات كما تحتاج إلى الواجب لذاته في وجودها تحتاج إليه في بقائها، وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم يحفظونه بأمره.
(فلينظر الإنسان) الفاء للدلالة على أن كون حافظ على كل نفس يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدرة الله على ما هو دون ذلك من البعث، قال مقاتل يعني المكذب بالبعث (مم خلق) أي من أي شيء خلقه الله، والمعنى فلينظر نظر التفكر والإستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته.
ثم بيّن سبحانه ذلك فقال
(خلق من ماء دافق) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، والماء هو المني والدفق الصب، يقال دفقت الماء أي صببته ويقال (ماء دافق) أي مدفوق مثل (عيشة راضية) أي مرضية.
قال الفراء والأخفش أي مصبوب في الرحم، قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك.
قال الزجاج: من ماء ذي اندفاق يقال دارع وقايس ونابل أي ذو درع وقوس ونبل، يعني من صيغ النسب كلابن وتامر، وهو صادق على الفاعل والمفعول أو هو مجاز في الإسناد، فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية أو مصرحة يجعله دافقاً لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضاً أي يدفعه كما أشار له ابن عطية.
وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة لأن الإنسان مخلوق منهما لكن جعلهما ماء واحداً لامتزاجهما.


الصفحة التالية
Icon