وقوله
(والذي قدر فهدى) صفة أخرى للرب أو معطوف على الموصول الذي قبله، قرىء قدر مخفقاً ومثقلاً، قال الواحدي قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها.
وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والسعادة والشقاوة، وروي عنه أيضاًً أنه قال: قدر السعادة والشقاوة وهدى للرشد والضلالة، وهدى الأنعام لمراعيها وقيل قدر أرزاقهم وأقواتهم وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً.
وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له وقيل خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها، وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر، وأقل وأكثر ثم هداه للخروج من الرحم.
قال الفراء أي قدر فهدى وأضل، فاكتفى بأحدهما.
وفي تفسير الآية أقوال غير ما ذكرنا والأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه قدر وهدى إلا بدليل يدل عليه، ومع عدم الدليل يحمل على ما يصدق عليه معنى الفعلين إما على البدل أو على الشمول، والمعنى قدر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له ويسره لما خلق له، وألهمه إلى أمور دينه ودنياه.
ولما ذكر ما يختص بالناس أتبعه بما يختص بالحيوان فقال
(والذي أخرج المرعى) صفة أخرى للرب أي أنبت العشب وما ترعاه الدواب والنعم من النبات الأخضر.
(فجعله غثاء) أي فجعل المرعى بعد أن كان أخضر هشيماً يابساً جافاً بالياً كالغثاء الذي يكون فوق السيل، وفي القاموس الغثاء القماش والزبد والهالك البالي من ورق الشجر، قال قتادة الغثاء الشيء اليابس، ويقال للبقل والحشيش إذا انحطم ويبس " غثاء " وهثيم، قال الكسائي غثاء حال من المرعى أي أخرجه أحوى من شدة الخضرة والري فجعله غثاء بعد ذلك.


الصفحة التالية
Icon