ثم انتقل سبحانه من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله فقال:
(بل لا تكرمون اليتيم) والالتفات إلى الخطاب لقصد التوبيخ والتقريع على قراءة الجمهور بالفوقية، وقرىء بالتحتية على الخبر، وهكذا اختلفوا فيما بعد هذا من الأفعال، فقرأ الجمهور تحضون وتأكلون وتحبون بالفوقية على الخطاب فيها، وقرىء بالتحتية فيها والجمع في هذه الأفعال باعتبار معنى الإنسان لأن المراد به الجنس أي بل لكم أفعال هي أقبح مما ذكر، وهي أنكم تتركون إكرام اليتيم فتأكلون ماله وتمنعونه من فضل أموالكم، قال مقاتل نزلت في قدامة بن مظعون وكان يتيماً في حجر أميَّة ابن خلف.
(ولا تحاضون على طعام المسكين) قرأ الجمهور تحضون من حضه على كذا أي أغراه به ومفعوله محذوف أي لا تحضون أنفسكم أو لا يحض بعضكم بعضاً على ذلك ولا يأمر به ولا يرشد إليه، وقرىء تحاضون وأصله تتحاضون أي لا يحض بعضكم بعضاً وقرىء تحاضون بضم التاء من الحض وهو الحث، والطعام إما اسم مصدر أي على إطعام المسكين أو اسم للمطعوم على حذف مضاف أي على بذل أو على إعطاء طعام المسكين.
(وتأكلون التراث) أصله الوراث فأبدلت التاء من الواو المضمومة كما في تجاه ووجاه، والمراد به أموال اليتامى الذين يرثونه من قراباتهم، وكذلك أموال النساء وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أموالهم (أكلاً لماً) أي أكلاً شديداً، وقيل معنى " لماً " جمعاً من قولهم لممت الطعام إذا أكلته جميعاً، قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب اليتيم، وكذا قال أبو عبيدة.
وأصل اللّم في كلام العرب الجمع يقال لممت الشيء ألمّه لمّاً جمعته، ومنه قولهم لَمَّ الله شعثه أي جمع ما تفرق من أموره، قال الليث: اللّم الجمع


الصفحة التالية
Icon