آخر كقوله: (فلا صدق ولا صلى) وإنما أفرد ههنا لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله: (ثم كان من الذين آمنوا) قائماً مقام التكرير، كأنه قال فلا اقتحم العقبة ولا آمن.
قال المبرد وأبو علي الفارسي: أن " لا " هنا بمعنى لم أي فلم يقتحم، وروي نحو ذلك عن مجاهد، فلهذا لم يحتج إلى التكرير، وقيل هو جار مجرى الدعاء كقوله لا نجا.
قال ابن زيد وجماعة من المفسرين: معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار تقديره أفلا اقتحم العقبة أو هلا اقتحم العقبة، قال ابن عمر في العقبة جبل زلال في جهنم، وقال ابن عباس العقبة النار، وعنه قال عقبة بين الجنة والنار، وقال قتادة وكعب: هي نار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله، وقال الحسن: هي والله عقبة شديدة مجاهدة نفسه وهواه وعداوة الشيطان. وقيل العقبة خلاصه من هول العرض، وقال مجاهد والضحاك والكلبي هي الصراط الذي يضرب على جهنم كحد السيف.
وعن عائشة قالت لما نزل (فلا اقتحم العقبة) قيل يا رسول الله ما عند أحدنا ما يعتق إلا أن عند أحدنا الجارية السوداء تخدمه فلو أمرناهن بالزنا فجئن بالأولاد فأعتقناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن آمر بالزنا ثم أعتق الولد " أخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأخرجه ابن جرير عنها بلفظ " لعلاقة سوط في سبيل الله أعظم أجراً من هذا ".
ثم بين سبحانه العقبة فقال:
(وما أدراك ما العقبة) أي أيُّ شيء أعلمك ما اقتحامها والمعرف باللام إذا أعيد كان الثاني عين الأول فتكون الجملة معترضة مقحمة لبيان العقبة مقررة لمعنى الإبهام والتفسير، فإن (فلا اقتحم العقبة) مفسرة بقوله:
(فك رقبة) والمفسر منفي والمفسر كذلك لاتحادهما في الاعتبار كأنه قيل فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً.