ودخلت الهاء للمدح والمبالغة، وما في الإشارة من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته وسمو مكانته.
ثم بينّ سبحانه حال الفريقين في الآخرة بعد بيان حالهم في الدنيا فقال
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) عطف على الموصول أو المجرور، وخبر إن (في نار جهنم) أي أنهم يصيرون إليها يوم القيامة. وبدأ بأهل الكتاب لأنهم كانوا يطعنون في نبوته فجنايتهم أعظم لأنهم أنكروه مع العلم به.
(خالدين فيها) حال من المستكن في الخبر، ولم يقل خالدين فيها أبداً كما قال بعد في صفة أهل الثواب لأن رحمته أزيد من غضبه، فلم يتفق الخلودان في الأبدية (أولئك) المذكورون من أهل الكتاب والمشركين المتصفين بالكون في نار جهنم والخلود فيها (هم شر البرية) يقال برأ أي خلق والبارىء الخالق، والبرية الخليقة.
قرأ الجمهور البرية في الموضعين بغير همز وقرىء بالهمز فيهما قال الفراء إن أخذت البرية من البراء وهو التراب لم تدخل الملائكة تحت هذا اللفظ، وإن أخذتها من بريت القلم أي قدرته دخلت، وقيل أن الهمز هو الأصل لأنه يقال برأ الله الخلق بالهمز أي ابتدعه واخترعه، ومنه قوله (من قبل أن نبرأها) ولكنها خففت الهمزة والتزم تخفيفها عند عامة العرب، وظاهر الآية العموم، وقيل شر البرية الذين عاصروا الرسول إذ لا يبعد أن يكون في كفار الأمم من هو شر من هؤلاء كفرعون وعاقر ناقة صالح (عليه السلام).
وشر البرية أفعل تفضيل أي لأنهم يخفون من كتاب الله صفة محمد وأشر من قطاع الطريق لأنهم قطعوا طريق دين الحق على الخلق، وأشر من الجهال لأن الكفر مع العلم يكون عناداً، وهذا فيه تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد.
ثم بيّن سبحانه حال الفريق الآخر فقال:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح (أولئك) المنعوتون


الصفحة التالية
Icon