ولما أثبت الله البعث بالأدلة التسعة المتقدمة كأن سائلاً سأل عن وقته ما هو فقال
(إن يوم الفصل) بين المحسن والمسيء، والمحق والمبطل، وأكده بأن لأنه مما ارتابوا فيه (كان) في علمه وحكمه (ميقاتاً) أي وقتاً ومجمعاً وميعاداً للأولين والآخرين يصلون فيه إلى ما وعدوا من البعث، وقيل معنى ميعاداً إنه حد توقت به الدنيا وتنتهي عنده وقيل حد للخلائق ينتهون إليه أو منتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب.
(يوم ينفخ) بدل من يوم الفصل أو بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله وإن كان الفصل متأخراً عن النفخ (في الصور) هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، والمراد هنا النفخة الثانية التي تكون للبعث (فتأتون) من قبوركم إلى الموقف (أفواجاً) أي زمراً زمراً وجماعات جماعات، وهي جمع فوج والفاء في (فتأتون) فصيحة تدل على محذوف أي فتأتون إلى موضع العرض عقيب ذلك أفواجاً أي أمماً مع كل أمة إمامهم.
(وفتحت السماء) معطوف على (ينفخ) وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي فتحت لنزول الملائكة، وقال علي القارىء عطف على (فتأتون) أو حال أي والحال أنها قد فتحت، وقرىء بالتخفيف والتشديد وهما سبعيتان.
قال الشهاب المراد بالفتح ليس ما عرف من فتح الأبواب، وهو موافق لقوله (إذا السماء انشقت) و (إذا السماء انفطرت) فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وعبر عن التشقيق بالفتح إشارة إلى كمال قدرته حتى كان تشقيق هذا الجرم العظيم كفتح الباب سهولة وسرعة (فكانت أبواباً) كما في قوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا) وقيل معنى فتحت قطعت فصارت قطعاً كالأبواب، وقيل أبوابها طرقها، وقيل تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق، وقيل أن لكل عبد بابين في السماء باب لرزقه وباب لعمله، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب.
وظاهر قوله: (فكانت أبواباً) أنها صارت كلها أبواباً، وليس المراد ذلك بل المراد أنها صارت ذات أبواب كثيرة.