بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)
(والعصر) أقسم سبحانه بالعصر وهو الدهر لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده، ويقال لليل عصر، وللنهار عصر، ويقال للغداة والعشي عصران.
قال الرازي أقسم تعالى بالدهر لما فيه من الأعاجيب لأنه يحصل فيه السراء والضراء والصحة والسقم والغنى والفقر، ولأن بقية عمر المرء لا قيمة له، فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني ثم ثبتت السعادة في اللمحة الأخيرة من العصر بقيت في الجنة أبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم، ولأن الزمان أشرف من المكان، فأقسم به لكونه نعمة خالصة لا غيب فيه.
وقال قتادة والحسن: المراد به في الآية العشي وهو ما بين زوال الشمس وغروبها. وعن قتادة أيضاًً أنه آخر ساعة من ساعات النهار، وقال مقاتل: إن المراد به صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها، وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث الزبير بن العوام.
وقيل هو قسم (١) بعصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
_________
(١) قال الرازي أقسم سبحانه بمكانه ﷺ في قوله: (لا أقسم بهذا البلد) وأقسم بعمره
-[٣٧٦]-
في قوله: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) وبعصره هنا فكأنه قال وعصرك وبلدك وعمرك فأقسم بهذه الظروف الثلاثة فإذا وجب تعظيم الظرف فحال المظروف من باب أولى انتهى.


الصفحة التالية
Icon