قول الفئة الموحدين (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله).
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقرأ بها وبقل هو الله أحد في سنة الفجر وسنة المغرب، فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص، وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما وهما توحيد العمل والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد وإنه إله واحد صمد لم يلد ولم يولد.
والثاني توحيد القصد والإرادة وهو أن لا يعبد إلا إياه فلا يشرك به في عبادته سواه بل يكون وحده المعبود، وهذه السورة مشتملة على هذا التوحيد انتهى.
(ولا أنا عابد ما عبدتم) أي ولا أنا قط فيما سلف عابد ما عبدتم فيه، والمعنى أنه لم يعهد مني ذلك (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته، كذا قيل، وهذا على قول من قال أنه لا تكرار في هذه الآيات لأن الجملة الأولى لنفي العبادة في المستقبل لما قدمنا من أن (لا) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال.
والدليل على ذلك أن لن تأكيد لما ينفيه (لا) قال الخليل في لن أن أصله (لا) فالمعنى لا أعبد ما تعبدون في المستقبل ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أطلبه من عبادة إلهي.
ثم قال: ولا أنا عابد ما عبدتم أي ولست في الحال بعابد معبودكم ولا أنتم في الحال بعابدين معبودي وقيل بعكس هذا، وهو أن الجملتين الأوليتين للحال، والجملتين الآخرتين للاستقبال بدليل قوله (ولا أنا عابد ما عبدتم) كما لو قال القائل أنا ضارب زيداً وأنا قاتل عمراً، فإنه لا يفهم منه إلا الإستقبال.
قال الأخفش والفراء: المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون ولا أنتم عابدون الساعة ما أعبد ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم ولا أنتم عابدون في


الصفحة التالية
Icon