يستدل على ما فيه خفاء، ويبرهن على ما هو متنازع فيه.
وأما ما كان من الوضوح والظهور والجلاء بحيث لا يشك فيه شاك ولا يرتاب فيه مرتاب، فهو مستغن عن التطويل، غير محتاج إلى تكثير القال والقيل.
وقد وقع في القرآن الكريم من هذا ما يعلمه كل من يتلو القرآن، وربما يكثر في بعض السور كما في سورة الرحمن وسورة المرسلات، وفي أشعار العرب من هذا ما لا يأتي عليه الحصر.
وقد ثبت عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أفصح من نطق بلغة العرب أنه كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات.
وإذا عرفت هذا ففائدة ما وقع في السورة من التأكيد هو قطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ما سألوه من عبادته آلهتهم، وإنما عبر سبحانه بما التي لغير العقلاء في المواضع الأربعة لأنه يجوز ذلك كما في قوله سبحان ما سخركن لنا ونحوه.
والنكتة في ذلك أن يجري الكلام على نمط واحد، ولا يختلف، وقيل أنه أراد الصفة كأنه قال لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، وقيل أن (ما) في المواضع الأربعة هي المصدرية لا الموصولة أي لا أعبد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي الخ.
وجملة
(لكم دينكم) مستأنفة لتقرير قوله لا أعبد ما تعبدون وقوله ولا أنا عابد ما عبدتم كما أن قوله (ولي دين) تقرير لقوله (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الموضعين أي إن رضيتم بدينكم وشرككم فقد رضيت بديني وتوحيدي كما في قوله (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) والمعنى أن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول لي كما تطمعون، وديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم.


الصفحة التالية
Icon