وقد حرف بعض المتعصبين هذه الآية مدافعة عن مذهبه، وتقويماً لباطله، فقرأ بتنوين شر على أن ما نافية، والمعنى من شر لم يخلقه، ومنهم عمرو بن عبيد وعمرو بن فائد، وفي المدارك قرأ أبو حنيفة رحمه الله تعالى من شر بالتنوين (وما) على هذا مع الفعل بتأويل المصدر في موضع الجر بدل من شر أي شر خلقه أي من خلق شر أو ما زائدة انتهى وفيه أيضاًً بعد وضعف كما ترى.
(ومن شر غاسق إذا وقب) الغاسق الليل والغسق الظلمة، قال الفراء يقال غسق الليل وأغسق إذا أظلم، وقال الزجاج: قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار والغاسق البارد، والغسق البرد، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها والهوام من أماكنها وينبعث أهل الشر على العبث والفساد كذا قال وهو قول بارد، فإن أهل اللغة على خلافه، وكذا جمهور المفسرين، ووقوبه دخول ظلامه يقال وقبت الشمس إذا غابت، وقيل الغاسق الثريا وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت إرتفع ذلك، وبه قال ابن زيد، وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق.
وقال الزهري: هو الشمس إذا غربت، وكأنه لاحظ معنى الوقوب ولم يلاحظ معنى الغسوق، وقيل هو القمر إذا خسف، وقيل إذا غاب، وبهذا قال قتادة وغيره.
واستدلوا بحديث أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه وغيرهم عن عائشة قالت " نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب " قال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح.
وهذا لا ينافي قول الجمهور لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وهكذا يقال في جواب من قال أنه الثريا.


الصفحة التالية
Icon