قربه إلى الله، وإذا عمل شراً باعده منه، قال قتادة مآباً سبيلاً.
قال أبو السعود: الفاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف، وقوله: (إلى ربه) أي إلى ثوابه، وهو متعلق بمآباً كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاء أن يتخذ مرجعاً إلى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة، وتعلق الجار به لما فيه من معنى الإفضاء والإيصال انتهى.
ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال:
(إنا أنذرناكم) يا كفار مكة (عذاباً قريباً) يعني العذاب في الآخرة وكل ما هو آت فهو قريب، ومثله قوله: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) كذا قال الكلبي وغيره، وقال قتادة هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين، قال مقاتل هو قتل قريش ببدر، والأول أولى لقوله:
(يوم ينظر المرء) أي كل امرىء مسلماً كان أو كافراً (ما قدمت يداه) أي يشاهد كل ما قدمه من خير أو شر لقوله: (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال يقع بها، وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام، و " ما " موصولة أو استفهامية قال الحسن والمرء هنا هو المؤمن أي يجد لنفسه عملاً، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً فيتمنى أن يكون تراباً، وقيل المراد به الكافر على العموم، وقيل أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط، والأول أولى لقوله:
(ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً) فإن الكافر واقع في مقابلة المرء. والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون تراباً لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب. والمعنى أنه يتمنى أنه كان تراباً في الدنيا فلم يخلق ولم يكلف، أو تراباً يوم القيامة فلم يبعث، وقيل المراد بالكافر أبو جهل، وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقيل إبليس، والأول أولى اعتباراً بعموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة، ووضع الظاهر موضع