وجملة (إنه طغى) تعليل للأمر أو لوجوب الإمتثال أي جاوز الحد في العصيان والفساد والتكبر والكفر بالله، قال الرازي ولم يبين أنه طغى في أي شيء فقيل تكبر على الله وكفر به، وقيل تكبر على الخلق واستعبدهم.
(فقل هل لك أن تزكى) أي قل له بعد وصولك إليه هل لك رغبة إلى التزكي وهو التطهر من الشرك، وأصله تتزكى، قرأ الجمهور بالتخفيف، وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي.
قال أبو عمرو ابن العلاء معنى قراءة التخفيف تكون زكياً مؤمناً، ومعنى قراءة التشديد الصدقة، وفي الكلام مبتدأ مقدر تتعلق به إلى، والتقدير هل لك رغبة أو توجه أو سبيل إلى التزكي، ومثل هذا قولهم هل لك في الخير يريدون هل لك رغبة في الخير، وقال ابن عباس: هل لك أن تقول لا إله إلا الله، وقيل معناه هل لك أن تسلم وتصلح العمل، أمر عليه السلام أن يخاطبه بالإستفهام الذي معناه العرض ليستدعيه بالتلطف ويستنزله بالمداراة من عتوه، وهذا نوع تفصيل لقوله (فقولا له قولاً ليِّناً لعله يتذكر أو يخشى).
(وأهديك إلى ربك فتخشى) أي أرشدك إلى عبادته وتوحيده فتخشى عقابه، والفاء لترتيب الخشية على الهداية لأن الخشية لا تكون إلا من مهتد راشد، قال ابن عطاء الخشية أتم من الخوف، لأنها صفة العلماء في قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) أي العلماء به رواه السلمي.
وعن الواسطي: أوائل العلم الخشية ثم الإجلال ثم الهيبة ثم التعظيم ثم الفناء (١) وعن بعضهم من تحقق بالخوف ألهاه خوفه عن كل مفروح به، وألزمه الكمد إلى أن يظهر له الأمن من خوفه، ذكره الكرخي.
_________
(١) الفناء اصطلاح صوفي لا يعرفه الإسلام.


الصفحة التالية
Icon