(ثم أدبر) أي تولى وأعرض عن الإيمان، وأتى بثم لأن إبطال الأمر ونقضه يقتضي زماناً طويلاً (يسعى) أي يعمل بالفساد في الأرض ويجتهد في معارضة ما جاء به موسى، وقيل أدبر هارباً من الحية يسعى خوفاً منها، وقال الرازي معنى أدبر يسعى أقبل يسعى كما يقال أقبل يفعل كذا أي أنشأ يفعل كذا فوضع أدبر موضع أقبل، لئلا يوصف بالإقبال، ويسعى حال من الضمير في أدبر.
(فحشر) أي فجمع جنوده للقتال والمحاربة أو جمع السحرة للمعارضة أو جمع الناس للحضور ليشاهدوا ما يقع أو جمعهم ليمنعوه من الحية (فنادى
فقال أنا ربكم الأعلى) أي قال لهم بصوت عال أو أمر من ينادي بهذا القول بعد ما قال له موسى ربي أرسلني إليك، والمعنى أنه لا رب فوقي، قال عطاء كان صنع لهم أصناماً صغاراً وأمرهم بعبادتها، وقال أنا رب أصنامكم، وقيل أراد بكونه ربهم أنه قائدهم وسائدهم والأول أولى لقوله في آية أخرى (ما علمت لكم من إله غيري).
(فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) النكال نعت مصدر محذوف أي أخذه أخذ نكال أو هو مصدر لفعل محذوف أي أخذه الله فنكله نكال الآخرة والأولى، أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة، ويجوز أن يكون انتصاب نكال على أنه مفعول له أي أخذه الله لأجل نكال، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض أي بنكال، ورجح الزجاج أنه مصدر مؤكد، قال لأن معنى أخذه الله نكل الله به فأخرج من معناه لا من لفظه.
وقال الفراء أي أخذه الله أخذاً نكالاً أي للنكال، والنكال اسم لما جعل نكالاً للغير أي عقوبة له، يقال نكل فلان بفلان إذا عاقبه وأصل الكلمة من الإمتناع، ومنه النكول عن اليمين، والنكل القيد، والمراد بنكال الآخرة عذاب النار، ونكال الأولى عذاب الدنيا بالغرق، وقال مجاهد عذاب أول عمره وآخره، وقال قتادة: الآخرة قوله (أنا ربكم الأعلى) والأولى تكذيبه لموسى، وقيل الآخرة قوله (أنا ربكم الأعلى) والأولى قوله (ما


الصفحة التالية
Icon