بالمشيئة للدلالة على أن وقته غير متعين بل هو تابع للمشيئة، وأما سائر الأحوال المذكورة قبل ذلك فإنها تعلم أوقاتها من بعض الوجوه فلم تفوض إلى مشيئته تعالى، قرأ الجمهور أنشره وقرىء نشره، وهما لغتان فصيحتان.
(كلا) ردع وزجر للإنسان الكافر عما هو عليه من التكبر والتجبر والترفع والإصرار على إنكار التوحيد والبعث والحساب أي ليس الأمر كما يقول (لما يقض ما أمره) الله به من العمل بطاعته واجتناب معاصيه، وقيل المراد الإنسان على العموم، وأنه لم يفعل ما أمره الله به مع طول المدة لأنه لا يخلو من تقصير (١)، قال الحسن أي حقاً لم يعمل ما أمر به، وقال ابن فورك: أي كلا لم يقض لهذا الكافر ما أمره به من الاتيان بل أمره بما لم يقض له.
قال ابن الأنباري: الوقف على كلا قبيح، والوقف على أمره وانشره جيد، وكلا على هذا بمعنى حقاً. وقيل المعنى لما يقض جميع أفراد الإنسان ما أمره بل أخل به بعضها بالكفر، وبعضها بالعصيان، وما قضى ما أمره الله به إلا القليل.
وقال بعضهم: ما لإبن آدم والفخر، أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بينهما حامل عذرة.
ثم شرع سبحانه في تعداد نعمه على عباده ليشكروها وينزجروا عن كفرانها، بعد ذكر النعم المتعلقة بحدوثهم فقال
_________
(١) قال ابن كثير: وحكاه البغوي عن الحسن البصري بنحو من هذا، قال: ولم أجد للمتقدمين فيه كلاماً سوى هذا، والذي يقع لي في معنى ذلك -والله أعلم- أن المعنى: (ثم إذا شاء أنشره) أي: بعثه (كلا لما يقضِ ما أمره) أي: لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب الله أن سيوجد منهم ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كوناً وقدراً، فإذا تناهى ذلك عن الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.
(فلينظر الإنسان إلى طعامه) أي ينظر كيف خلق الله طعامه الذي جعله سبباً لحياته، وكيف هيأ له أسباب المعاش يستعد بها للسعادة الأخروية، قال مجاهد إلى مدخله


الصفحة التالية
Icon