من بديع الفصاحة والفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها من فنون النعم، وجواب (إذا) محذوف يدل عليه قوله الآتي (لكل امرىء منهم) الخ أي فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه.
(يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) الظرف إما بدل من إذا جاءت أو منصوب بمقدر أي أعني، ويكون تفسيراً للصاخة أو بدلاً منها مبني على الفتح، وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أخص القرابة وأولاهم بالحنو والرأفة، فالفرار منهم لا يكون إلا لهول عظيم وخطب فظيع، وتبعات بينه وبينهم، والمراد بالفرار التباعد.
والمعنى أنه لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لشغله بنفسه، قيل أول من يفر من أخيه هابيل، ومن أبويه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح، والعموم أولى، وقيل إنما يفر عنهم حذراً من مطالبتهم إياه بما بينهم. وقيل يفر عنهم لئلا يروا ما هو فيه من الشدة وقيل لعلمه بأنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئاً كما قال تعالى (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاًً).
قال عبد الله بن طاهر الأبهري: يفر منهم لما يتبين له من عجزهم وقلة حيلتهم، إلى من يملك كشف تلك الكروب عنه ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئاً سوى ربه تعالى.
(لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه) أي لكل إنسان يوم القيامة شأن يشغله عن الأقرباء ويصرفه عنهم، والجملة مستأنفة لبيان سبب الفرار، قال ابن قتيبة يغنيه أي يصرفه عن قرابته، ومنه يقال أغن عني وجهك أي أصرفه.
عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: " تحشرون حفاة عراة فقالت امرأة أيبصر أحدنا أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن