أقول قد تصل بهذا التفصيل الوقوف على الأقوال الأربعة وأدلتها، والحق الذي تشتفي به الصدور أن لا تؤول الآية والحديث بما هو خلاف الظاهر، والشبهة الداعية له بأنها غير عاقلة ولا مكلفة، والحشر والحساب مبني على ذلك، فإذا سقط الأساس سقط ما بني عليه.
فالجواب عنها أن نسلم أنها غير مكلفة لأنها لا تعقل، والنزاع فيه مكابرة إلا أنها لما كانت في المشيئة يفعل الله بها ما يريد، وهو لا يسأل عما يفعل باتفاق أهل السنة بل العقلاء فنقول إن الله تعالى يعيدها وينصف بعضها من بعض بما فعلته بإرداتها لإدراكها للجزئيات، وليس هذا بتكليف ولا مبني عليه، لأن جزاء التكليف إنما يكون في داري الخلود والنار وهي تعود تراباً قبل دخول أهليهما فيهما.
وأما فعل الحكيم القدير لذلك فليعرف أهل المحشر أنه عز وجل لا يترك مثقال ذرة من العدل، ليتحقق أهل النعيم ما لهم من النعيم المقيم وأهل الجحيم ما أعد لهم من العذاب الأليم تنويراً لهم وإرشاداً لأن يعلموا عظمة كبريائه، وتساوي جمع مخلوقاته عنده بالنسبة لذلك.
ولك أن تقول قول ابن عباس حشرها موتها معناه أن حشرها لأجل أن يفنيها ويقول لها كوني تراباً، ولولا بعد كلام الأشعري بتصريحه بما ينافيه حملنا أنه تمثيل على ما ذكر، أو قلنا أنه إنما أنكر الوجوب، ولكن الحق أحق أن يتبع، وهذا مما ينبغي أن يكتب بالنور، على صفحات خدود الحور، وإنما ذكرنا هذا مع طوله وعدم مناسبته لموضوع التفسير تصدقاً على من طالعه بجواهر الفرائد.
(وإذا البحار سجرت) (١) أي أوقدت فصارت ناراً تضطرم وقال الفراء
_________
(١) في هذه الآية عجيبة قرآنية تقطع ألسنة الملحدين الذين يقولون إن القرآن من عند محمد، من أين لمحمد أو لعصر محمد ما في هذه الآية من علوم لم يعرفها العالم إلا في العصر الحديث.
لم يكن عصر محمد يعرف في البحار إلا الري والإنبات، أما أن البحار تنقلب ناراً فهذا ما لم يخطر لهم
-[٩٨]-
ببال. وإليك كلمة لأستاذ جامعي.
ونرى كذلك أن المعامل الطبيعية والكيميائية أثبتت أن رسول الله ﷺ صادق فيما بلغه من كتاب الله، ذلك أن قوله تعالى (وإذا البحار سجرت) معناه التهبت وصارت ناراً. والبحوث العلمية أثبتت أن الماء مكون من عنصرين: أكسوجين وهيدروجين، وأن الهيدروجين يشتعل. والأكسوجين يساعد على الاشتعال. فإذا فصلت القدرة بين عنصري الماء تحولت البحار إلى نيران. وهذا دليل جديد على صدق القرآن. الناشر.


الصفحة التالية
Icon