على قوله المنقول عنه قريباً من أن المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به، والمتشابه ما يقابله، فما معنى تعيين تلك الآيات من آخر سورة الأنعام.
وقيل المحكمات ما أطلع الله عباده على معناه، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة.
وقيل المحكم سائر القرآن، والمتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور، وقيل إن المحكم ما لم يتكرر ألفاظه، والمتشابه ما تكررت ألفاظه، وقيل غير ذلك وللسلف أقوال كثيرة هي راجعة إلى ما قدمنا في أول هذا البحث.
(فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي ميل عن الحق كوفد نجران وغيرهم، والزيغ الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار. ويقال زاغ يزيغ زيغاً إذا ترك القصد، ومنه قوله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وزاغ وزال ومال متقاربة لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان من حق إلى باطل، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين.
(فيتبعون ما تشابه منه) أي يحيلون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم، وهذه الآية تعم كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق، وسبب النزول نصارى نجران فيتعلقون بالمتشابه من الكتاب فيشككون به على المؤمنين ويجعلونه دليلاً على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة، فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعباً شديداً ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء.
(ابتغاء الفتنة) أي طلباً منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبس عليهم وإفساد ذوات بينهم لا تحرياً للحق (وابتغاء تأويله) أي تفسيره على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة.


الصفحة التالية
Icon