وهل فتح باب التأويل إلا مضادة ومناقضة لحكم الله في تعليمه عباده البيان الذي امتن في كتابه على الإنسان بتعليمه إياه، فالتأويل بالألغاز والأحاجي والأغلوطات أولى منه بالبيان، وهو فرق بين دفع حقائق ما أخبرت به الرسل عن الله وأمرت به بالتأويلات الباطلة المخالفة له، وبين رده وعدم قبوله، ولكن هذا رد جحود ومعاندة وذاك رد خداع ومصانعة.
قال أبو الوليد بن رشد المالكي في كتابه المسمى بالكشف عن مناهج الأدلة وقد ذكر التأويل وجنايته على الشريعة إلى أن قال:
(وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) وهؤلاء أهل الجدل والكلام وأشد ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيراً مما ظنوه ليس على ظاهره وقالوا إن هذا التأويل هو المقصود به، وإنما أمر الله به في صورة المتشابه إبتلاء لعباده واختباراً لهم، ونعوذ بالله من هذا الظن بالله، بل نقول إن كتاب العزيز إنما جاء معجزاً من جهة الوضوح والبيان فما أبعد من مقصد الشارع من ْقال فيما ليس بمتشابه أنه متشابه، ثم أول ذلك المتشابه بزعمه، وقال لجميع الناس إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل مثل ما قالوه في آية الاستواء على العرش وغير ذلك مما قالوا إن ظاهره متشابه.
قال فهذه هي حالة الفرق الحادثة في هذه الشريعة وذلك أن كل فرقة منهم تأولت غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه هو الذي قصده الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق، وبعد جداً عن موضوعه الأول.
ولما علم صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال - ﷺ - " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة (١) " يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله.
وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد
_________
(١) أبو داوود السنن ١، ابن ماجه كتاب الفتن باب ١٧.


الصفحة التالية
Icon