الشيء محتملاً لأمرين احتمالاً لا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك الشيء في نفسه، وذلك كالألفاظ المشتركة مع عدم ورود ما يبين المراد من معنى ذلك المشترك من الأمور الخارجة، وكذلك ورود دليلين متعارضين تعارضاً كلياً بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر باعتبار نفسه ولا باعتبار أمر آخر يرجحه.
وأما ما كان واضح المعنى باعتبار نفسه بأن يكون معروفاً في لغة العرب أو في عرف الشرع أو باعتبار غيره وذلك كالأمور المجملة التي ورد بيانهما في موضع آخر في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة، والأمور التي تعارضت دلالتها ثم ورد ما يبين راجحها من مرجوحها في موضع آخر من الكتاب أو السنة أو سائر المرجحات المعروفة عند أهل الأصول المقبولة عند أهل الإنصاف، فلا شك ولا ريب أن هذه من الحكم لا من المتشابه، ومن زعم أنها من المتشابه فقد اشتبه عليه الصواب.
فاشدد يديك على هذا فإنك تنجو به من مضايق ومزالق وقعت للناس في هذا المقام، حتى صارت كل طائفة تسمى ما دلّ على ما تذهب إليه محكماً، وما دلّ على ما يذهب إليه ما يخالفها متشابها، سيما أهل علم الكلام، ومن أنكر هذا فعليه بمؤلفاتهم.
واعلم أنه قد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على أنه جميعه محكم، لكن لا بهذا المعنى الوارد في الآية هذه بل بمعنى آخر، ومن ذلك قوله تعالى (كتاب أحكمت آياته) وقوله (تلك آيات الكتاب الحكيم) والمراد بالمحكم بهذا المعنى أنه صحيح الألفاظ قويم المعنى، فائق في البلاغة والفصاحة على كل كلام.
وورد أيضاً ما يدل على أنه جميعه متشابه لكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها، بل بمعنى آخر، ومنه قوله (كتاباً متشابهاً) والمراد بالمتشابه بهذا المعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة


الصفحة التالية
Icon