(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم) فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم، قال الأخفش وفي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى ما اختلف الذين أوتوا الكتاب أي بنو إسرائيل بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم.
وفي التعبير عنهم بهذا العنوان زيادة تقبيح لهم فإن الاختلاف بعد إتيان الكتاب أقبح وقوله (إلا من بعد) زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيد في القباحة، وقوله بغياً بينهم زيادة ثالثة لأنه في حيز الحصر فيكون أزيد في القبح.
والكتاب هو التوراة والإنجيل، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا - ﷺ - نبياً أم لا، وقيل في دين الإسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقاً، وقيل في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود عزير ابن الله. وقيل اختلافهم في نبوة عيسى، وقيل اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء.
قال أبو العالية بغياً على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها فقتل بعضهم بعضاً على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس وسلط الله عليهم الجبابرة.
(ومن يكفر بآيات الله) الدالة على أن الدين عند الله الإسلام أو بأي آية كانت، على أن يدخل فيها ما نحن فيه دخولاً أولياً (فإن الله سريع الحساب) يجازيه ويعاقبه على كفره بآياته، والإظهار في قوله (فإن الله) مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم والتهديد لهم.


الصفحة التالية
Icon