(فإن حاجوك) يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أي خاصموك وجادلوك اليهود والنصارى بالشبه الباطلة: والأقوال المحرفة بعد قيام الحجة عليهم في أن الدين عند الله هو الإسلام (فقل أسلمت وجهي لله) أي أخلصت ذاتي لله وانقدت له بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان وأجمعها للحواس، وقيل الوجه هنا بمعنى القصد (ومن اتبعن) عطف على فاعل أسلمت وجاز للفصل، وقال الزمخشري الواو بمعنى مع.
(وقل للذين أوتوا الكتاب) يعني اليهود والنصارى (والأميين) أي الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب، وقال ابن عباس هم الذين لا يكتبون (أأسلمتم) استفهام تقريري يتضمن الأمر أي أسلموا، كذا قال ابن جرير وغيره، وقال الزجاج أسلمتم تهديد، والمعنى أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام فهل عملتم بموجب ذلك أم لا، تبكيتاً لهم وتصغيراً لشأنهم في قلة الإنصاف وقبول الحق لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف في إذعانه للحق (١).
(فإن أسلموا فقد) دخلت قد على الماضي مبالغة في تحقق وقوع الفعل وكأنه قرب من الوقوع (اهتدوا) أي ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر وفازوا بخيري الدنيا والآخرة (وإن تولوا) أي أعرضوا عن قبول الحجة ولم يعملوا بموجبها (فإنما عليك البلاغ) أي إنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك ولست عليهم بمسيطر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، والبلاغ مصدر بمعنى التبليغ قيل الآية محكمة والمراد بها تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل منسوخة بآية السيف (والله بصير بالعباد) فيه وعد ووعيد لتضمنه أنه عالم بجميع أحوالهم.
_________
(١) ذكر ابن كثير: وهذه الآية وأمثالها من: أصرح الدلالات على عموم بعثته صلّى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق.