وقرأ ابن عباس وضعت بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها أي أنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام، وتصاغر عندها العقول، وإن له شأناً عظيماً.
(وليس الذكر كالأنثى) أي ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت، فإن غاية ما أرادت من كونه ذكراً أن يكون نذراً خادماً للكنيسة، وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم، فهي خير منه وإن لم تصلح للسدانه فإن فيها مزايا أخر لا توجد في الذكر، وعلى هذا: الكلام على ظاهره ولا قلب فيه، وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته، واللام في الذكر والأنثى للعهد.
هذا على قراءة الجمهور، وأما على قراءة أبي بكر وابن عامر فيكون قوله (وليس الذكر كالأنثى) من جملة كلامها ومن تمام تحسرها وتحزنها أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادماً ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك، بل هو خير منها لأنه يصلح لمقصودي دونها، وكأنها اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت، وعلى هذا في الكلام قلب، وكانت مريم من أجمل النساء وأفضلهن في وقتها.
(وإني سميتها مريم) تعني العابدة مقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرب إلى الله سبحانه، وأن يكون فعلها مطابقاً لمعنى اسمها فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم، فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة، فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات (١).
(وإني أعيذها) أي أمنعها وأجيرها (بك وذريتها من الشيطان الرجيم).
_________
(١) وقال ابن إسحاق: كان السبب في نذرها أنه أمسك عنها الولد حتى أسنت، فرأت طائراً يطعم فرخاً -[٢٢٤]-
له، فدعت الله أن يهب لها ولداً، وقالت: اللهم لك علي إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس، فحملت بمريم، وهلك عمران، وهي حامل.


الصفحة التالية
Icon