فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)
(فمن افترى) الافتراء اختلاق الكذب والقذف والإفساد أصله من فرى الأديم إذا قطعه لأن الكاذب يقطع القول من غير حقيقة له في الوجود، وقال البيضاوي: افترى أي ابتدع، والجملة استئنافية أو منصوبة المحل، ومن شرطية أو موصولة (على الله الكذب من بعد ذلك) أي إحضار التوراة وتلاوتها متعلق بافترى، وهذا هو الظاهر أو بالكذب وجوزه أبو البقاء (فأولئك) فيه مراعاة معنى " من " كما في افترى مراعاة لفظها (هم الظالمون) أي المفرطون في الظلم المتبالغون فيه، فإنه لا أظلم ممن حوكم إلى كتابه وما يعتقده شرعاً صحيحاً ثم جادل من بعد ذلك مفترياً على الله الكذب.
ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحجة عليهم بكتابهم باطلاً مدفوعاً، وكان ما قصه الله سبحانه في القرآن وصدّقته التوراة صحيحاً صادقاً، وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه، أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينادي لصدق الله بعد أن سجّل عليهم بالكذب فقال.
(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم) أي ملة الإسلام التي أنا عليها (حنيفاً) قد تقدم معنى الحنيف كأنه قال لهم إذا تبين لكم صدقي وصدق ما جئت به فادخلوا في ديني فإن من جملة ما أنزله الله علي (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).
(وما كان) في أمر من أمور دينه أصلاً وفرعاً (من المشركين) الذين يدعون من الله إله آخر، ويعبدون سواه.


الصفحة التالية
Icon