عن سعيد بن جبير قال إن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمه فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية يقول: لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم. وعن مجاهد قال: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك، ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم تخلطونها فتأكلونها جميعاً إنه كان إثماً (كبيراً) وعن ابن زيد قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار، يأخذه الكبير، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذ خبيث.
(وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا) وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه ولياً لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها أي لا يعدل فيه ولا يعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج، فنهاهم الله أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
فهذا سبب نزول الآية فهو نهي يخص هذه الصورة، قال جماعة من السلف إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما يشاء فقصرهم بهذه الآية على أربع، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا أن لا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون أن لا يقسطوا في النساء، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء، والخوف من الأضداد فإن المخوف قد يكون معلوماً، وقد يكون مظنوناً.
ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية فقال أبو عبيد: خفتم بمعنى أيقنتم، وقال الآخرون بمعنى ظننتم، قال ابن عطيه وهو الذي اختاره الحداق: وإنه على بابه من الظن لا من اليقين.