وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً (٥٧) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)
ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين فقال
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهو لف ونشر مشوّش على حد قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) وعلى عادته تعالى من ذكر الوعيد مع الوعد وعكسه (سندخلهم) أي يوم القيامة (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً) قد تقدم تفسير الجنات وجري الأنهار من تحتها، وذلك الخلود بغير نهاية ولا انقطاع وليس المراد طول المكث.
(لهم فيها أزواج مطهّرة) من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا ومن كل قذر وسوء الخلق (وندخلهم ظلاً ظليلاً) الظل الظليل الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك، وقيل هو مجموع ظل الأشجار والقصور. وقيل الظل الظليل هو الدائم الذي لا يزول، واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة كما يقال ليل أليل، قال الربيع بن أنس: هو ظل العرش الذي لا يزول، وقيل هو ظل الجنة والأول أولى.
(إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها) هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس قاطبة في جميع الأمانات، وقد روى عن علي وزيد بن أسلم وشهر ابن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين والأول أظهر، ووُرودها على سبب كما سيأتي لا ينافي ما فيها من العموم فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول.


الصفحة التالية
Icon