دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد والقرآن، وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق فمنهم من صدق النبي - ﷺ - واتبعه ومنهم من كفر.
(فقد ضلّ) عن القصد لأن الكفر ببعضه كفر بكله (ضلالاً بعيداً) عن الحق بحيث يعسر العود منه إلى سواء الطريق، وقول القاضي: بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه، لا يصح إلا إذا كانت الآية في جمع مخصوص علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر ولا يتوبون عنه.
والظاهر أنه لا يحتاج إلى هذه المبالغة بل المراد ما أشرنا إليه لأن الذين يكفرون بما ذكر قد يسلم بعضهم، وزيادة الملائكة واليوم الآخر في جانب الكفر لما أنه بالكفر بأحدهما لا يتحقق الإيمان أصلاً، وجمع الكتب والرسل لما أن الكفر بكتاب أو رسول كفر بالكل.
(إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً) أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفراً بعد ذلك كله أنه (لم يكن الله) سبحانه (ليغفر لهم) ذنوبهم ما أقاموا عليه (ولا ليهديهم سبيلاً) طريقاً يتوصلون به إلى الحق ويسلكونه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيماناً صحيحاً لأن قلوبهم قد تعودت الكفر وتمرنت على الردة، وكان الإيمان عندهم أهون شيء وأدونه، لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم.
وفي هذا إشارة إلى أن الكفر بعد التوبة مغفور ولو بعد ألف مرة كما قاله الأصفهاني وغيره، وهذا الاضطراب منهم تارة يدَّعون أنهم مؤمنون، وتارة يمرقون من الإيمان ويرجعون إلى ما هو دأبهم وشأنهم من الكفر المستمر والجحود الدائم، يدل أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ليست لهم نية صحيحة ولا قصد خالص.


الصفحة التالية
Icon