بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)(يا أيها الذين آمنوا) هذه الآية التي افتتح الله تعالى بها هذه السورة إلى قوله (إن الله يحكم ما يريد) فيها من البلاغة ما يتقاصر عنده القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة منها الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحل، ومنها تحريم الصيد على المحرم، ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.
وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا.
(أوفوا) يقال أوفى ووفى لغتان، والوفاء القيام بموجب العقد، وكذا الإيفاء (بالعقود) العهود وأصلها الرُّبوط واحدها عند، يقال عقدت الحبل والعهد فهو يستعمل في الأجسام والمعاني، وإذا استعمل في المعاني كما هنا أفاد أنه شديد الإحكام قوي التوثيق.
قيل المراد بالعقود هي التي عندها الله على عباده وألزمهم بها من الأحكام، وقيل هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات والأمانات