(غير متجانف لإثم) الجنف الميل والإثم الحرام، أي حال كون المضطر في مخمصة غير مائل لإثم وهو بمعنى غير باغ ولا عاد وكل مائل فهو متجانف وجنف، وقرئ متجنّف وهو أن يأكل فوق الشبع وهو قول فقهاء العراق، قال ابن عطية: وهو أبلغ من متجانف، وقيل المعنى غير متعرض لمعصية في مخمصة وهو قول فقهاء الحجاز، وقال ابن عباس: غير متعمّد لإثم (١).
(فإن الله غفور) له (رحيم) به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرم عليه إلى الإثم بأن يكون باغياً على غيره أو متعدياً لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدم.
وهذه الآية من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى ومتصلة بها، ومن قوله (ذلكم فسق) إلى هنا اعتراض وقع بين الكلامين، والغرض منه تأكيد ما تقدم ذكره في معنى التحريم لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل.
_________
(١) وفي " المسند " ٨/ ١٧٠ و " صحيح ابن حبان " عن ابن عمر مرفوعاً قال: قال رسول الله - ﷺ -: " إن الله يحب أن تؤتي رخصه، كما يكره أن تؤتي معصيته " لفظ ابن حبان. [قلت: وفي " المجمع " ٣/ ١٦٢ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن] وفي لفظ لأحمد ٧/ ٢٣٨ " من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ". ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، بحسب الأحوال.
وقد روى الإمام أحمد ٥/ ٢١٨ عن أبي واقد الليثي، أنهم قالوا: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: " إذا لم تصطحبوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بقلاً، فشأنكم بها ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.