فيكون هذا ناسخاً لقوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وليس الأمر كذلك ولا وجه للنسخ.
(وطعامكم حل لهم) أي وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب، وفيه دليل على أنه يجوز للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمجازاة، وإخبار المسلمين بأن ما يأخذونه منهم من أعواض الطعام حلال لهم بطريق الدلالة الالتزامية، وهذا يدل على أنهم مخاطبون بشريعتنا.
قال الزجاج: معناه ويحل لكم أن تطعموهم من طعامكم، فجعل الخطاب للمؤمنين على معنى أن التحليل يعود على إطعامنا إياهم لا إليهم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى أن نطعمهم من ذبائحنا، وقيل: إن الفائدة في ذكر ذلك أن إباحة المناكحة غير حاصلة من الجانبين، وإباحة الذبائح حاصلة فيهما، فذكر الله ذلك تنبيهاً على التمييز بين النوعين.
ثم قال: (والمحصنات من المؤمنات) اختلف في تفسير المحصنات هنا فقيل العفائف قاله ابن عباس، وقيل الحرائر، قاله مجاهد، وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في البقرة والنساء، والمحصنات مبتدأ ومن المؤمنات وصف له والخبر محذوف أي حل لكم (١).
وذكرهن توطئة وتمهيداً لقوله (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
_________
(١) في " الأم " للشافعي ٥/ ٦ " ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية، لأن أصل دينهم كان الحنيفية، ثم ضلوا بعبادة الأوثان، وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده، لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها، إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك، لا تحل ذبائحهم، وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين، التوراة والإنجيل، فدان دينهم، لم يحل نكاح نسائهم ".


الصفحة التالية
Icon