الاستدلال بصحيح لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب، وقد كان في زمن النبوة يأتي إلى النبي - ﷺ - من وجب عليه حد تائباً عن الذنب الذي ارتكبه طالباً لتطهيره بالحد فيحده النبي - ﷺ -.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للسارق بعد قطعه " تب إلى الله " ثم قال: تاب الله عليك (١) أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة.
وأخرج أحمد وغيره أن هذه الآية نزلت في المرأة التي كانت تسرق المتاع لما قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قطعها: هل لي توبة؟ وقد ورد في السنة المطهرة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها وإن عفا عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع، وعليه الشافعي.
_________
(١) الدارقطني عن أبي هريرة.
(ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض) هذا الاستفهام للإنكار مع تقرير العلم وهو كالعنوان لقوله (يعذب من يشاء) أي من كان له ملك السموات والأرض فهو قادر على هذا التعذيب الموكول إلى المشيئة والمغفرة الموكولة إليها، والخطاب للنبي - ﷺ - والمراد به جميع الناس، وقيل الخطاب لكل فرد من الناس (ويغفر لمن يشاء) وإنما قدم التعذيب على المغفرة لأنه في مقابلة السرقة المقدمة على التوبة.
وهذه الآية فاضحة للقدرية والمعتزلة في قولهم بوجوب الرحمة للمطيع والعذاب للعاصي، لأن الآية دالة على أن التعذيب والرحمة مفوضان إلى المشيئة والوجوب ينافي ذلك (والله على كل شيء قدير) لأن الخلق كلهم عبيده وفي ملكه.


الصفحة التالية
Icon