وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد لأنه لا تعارض بينهما بل الجمع ممكن، قال الخطابي: ليست منسوخة لأن قوله (فامسكوهن) يدل على أن إمساكهن في البيوت ممتدّ إلى غاية هي قوله (حتى) أي إلى أن (يتوفاهن الموت) أي ملائكة الموت عند انقضاء آجالهن (أو يجعل الله لهن سبيلاً) وذلك السبيل كان مجملاً، فلما قال النبي - ﷺ - خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم (١) رواه مسلم من حديث عبادة، صار هذا الحديث بياناً لتلك الآية لا نسخاً له.
_________
(١) مسلم ١٦٩٠. ورواه أحمد ٥/ ٣١٨ والشافعي في الرسالة ١٢٩/ ٢٤٧ ومسلم ٣/ ١٣١٦ وأبو داود ٤/ ٢٠٢ باختلاف في الروايات.
(واللّذان يأتيانها منكم) أي الفاحشة وهي الزنا واللواط، وهذان قولان للمفسرين وسيرجح الثاني بأمور، واللذان تثنية الذي، وكان القياس أن يقال اللذيان، قال سيبويه: حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة.
والمراد (باللذان) هنا الزاني والزانية تغليباً، وقيل الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات، والثانية في الرجال خاصة وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن، فعقوبة النساء وعقوبة الرجال الأذى، واختار هذا النحاس ورواه عن ابن عباس ورواه القرطبي عن مجاهد وغيره واستحسنه.
وقال السدي وقتادة وغيرهما: الآية الأولى في النساء المحصنات ويدخل معهن الرجال المحصنون، والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين، ورجحه الطبري وضعفه النحاس، وقال تغليب المؤنث على المذكر بعيد.