وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٢١)
(وكيف) كلمة تعجب (تأخذونه) إنكار بعد إنكار مشتمل على العلة التي تقتضي منع الأخذ وهى الإفضاء، والمعنى لأي وجه تفعلون مثل هذا الفعل، وكيف يليق بالعاقل أن يسترد شيئاً بذله لزوجته عن طيب نفس، وقيل هو استفهام معناه التوبيخ والتعظيم لأخذ المهر بغير حله.
ثم ذكر السبب فقال (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) قال الهروي والكلبي: وهو إذا كان في لحاف واحد جامع أو لم يجامع، وقال الفراء: الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها وبه قال أبو حنيفه، وقال ابن عباس ومجاهد والسدي واختاره الزجاج: أن الإفضاء في هذه الآية الجماع ولكن الله يكنى وبه قال الشافعي.
وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة يقال للشيء المختلط فضاء ويقال القوم فوضاً وفضاء أي مختلطون لا أمير عليهم، وقيل الوصول: يقال أفضى إليه أي وصل.
(وأخذن منكم) وهذا الإسناد مجاز عقلي لأن الآخذ للعهد حقيقة هو الله لكن بولغ فيه حتى جعل كأنهن الآخذات له (ميثاقاً غليظاً) وهو عقد النكاح ومنه قوله - ﷺ - " فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله (١) وقيل هو قوله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) قاله ابن عباس، وقيل هو الأولاد.
كان ابن عمر إذا نكح قال: نكحتك على ما أمر الله به إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، قال قتادة: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح الله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرّحن بإحسان، وعن أنس بن مالك نحوه، وعلى هذا هو قول العاقد عند العقد وعلى الأول هو كلمة النكاح المعقودة على الصداق.
_________
(١) أبو داود كتاب المناسك باب ٥٦ - الإمام أحمد ٥/ ٧٢.


الصفحة التالية
Icon